مع بداية الثورة الصناعية قدم الفيلسوف (Jeremy Bentham) نظرية الجزرة والعصا، التي تقتضي أنه يمكن تحفيز الموظفين عن طريق الخوف من عقوبة أو الرغبة في مكافأة، وبينما لا يعد مبدأ العقوبة من المبادئ المعاصرة اليوم، إلا أن مبدأ التحفيز من خلال المكافآت لا يزال فعالًا.
إذن ما نوع المكافآت التي بإمكانها جذب الموظفين اليوم؟
المال ليس المحفز الوحيد ولا الأول، وإنما يشعر الموظفون بقيمتهم ويزداد ولاؤهم لمكان عملهم عند الاستثمار في التدريب والتطوير المهني، فإن الموظفين اليوم يبحثون عن وظائف تمنحهم هدفًا ومعنى وتساعدهم على التطور والنمو، ولتحقيق ذلك يفضل ربط الدوافع الشخصية بأهداف الشركة طويلة الأمد، مما يجعل من العمل المحفز الحقيقي للموظفين ويحدث أثرًا في معدلات إنتاجهم.
مع التطور السريع لمختلف أنواع التكنولوجيا مثل الذكاء الصناعي تزايدت الحاجة إلى التدريب المهني؛ حيث أظهر استقصاء من شركة ماكنزي (McKinsey) أن 87% من الشركات حول العالم اليوم إما أنها تعاني من فجوة في المهارات أو تتوقع حدوثها في السنوات القليلة المقبلة.
ومن الآثار المترتبة على تزايد الفجوة المهارية عجز كثير من الشركات عن ملء المناصب المطلوبة لديها بنسبة 10%، وترتفع هذه النسبة إلى 20% في الشركات التي كانت تعاني من تلك الفجوة قبل ظهور التغيرات التكنولوجية. وأظهرت نفس الدراسة من ماكنزي أن 53% من الشركات ترى أن التدريب المهني هو أفضل طريقة للتعامل مع هذا التحدي.
ما مفهوم التدريب المهني؟
عادة ما يتم استخدام مصطلحات التدريب والتطوير المهني للتعبير عن المعنى نفسه، لكن في الحقيقة هناك بعض الاختلاف:
برامج التدريب المهني: تهدف إلى تدريب الموظفين على القيام بمهمة أو عملية معينة، وتتمحور في الغالب حول الأهداف قصيرة الأمد.
أما التطوير المهني: فإنه يهدف إلى اكتساب المهارات التي تساعد الموظفين على المدى الطويل وتساهم في ارتقائهم في الهرم الوظيفي؛ لذا فهي تتمحور حول الأهداف طويلة الأمد.
ما هو الهدف من التدريب؟
هناك عدة أهداف وفوائد من الاستثمار في خطة تدريبية للموظفين منها:
الخدمات الداخلية هي الطرق التي يمكن لأعضاء الفريق من خلالها مساعدة زملائهم في أداء أدوارهم وتحقيق أهدافهم، ومن ثم يدعم التواصل والتعاون بينهم ويجعل تفاعلاتهم أكثر كفاءة، ما يخلق قوى عاملة أكثر تماسكًا.
يرتبط التدريب بصورة مباشرة بأداء الشركة؛ حيث يسهم في جعل الموظفين أكثر مهارة ومعرفة، مما يعزز من ثقتهم وخبراتهم في مجال عملهم ويرفع من مستويات الرضا عن وظائفهم، مما يزيد من حافزهم للقيام بأدوارهم على أكمل وجه.
هناك علاقة واضحة بين النمو والتطور الشخصي، والبقاء مع الشركة لوقت أطول؛ حيث يعتبر الموظفون التدريب والتطوير المهني فرصة لتحقيق أهدافهم الشخصية مما يقلل من احتمال استقالتهم.
تقديم برامج تدريب مبنية على الأدوار الوظيفية من الطرق المثبتة على تكوين قوى عاملة أكثر تفاعلًا ومشاركة.
يسمح التدريب بمعالجة الفرق بين مستوى المهارات الحالي ومستوى المهارات المطلوب لتحقيق أهداف المنظومة؛ إذ يمكنها من الإحلال والإبدال والتوظيف من الداخل، الأمر الذي يعد أقل تكلفة من التوظيف من الخارج.
يمنح التدريب المهني الموظفين المهارات والمعرفة اللازمة لتحليل المواقف وتقديم أفكار مبتكرة، ثم اتخاذ القرارات الصحيحة للتعامل مع أي مشكلة قد تواجههم.
تشجيع الموظفين على أن يتعلم بعضهم من بعض يساعد على نقل الخبرات والمعرفة داخليًّا بين أفراد المنظومة.
تتنافس الشركة بشدة على المواهب المميزة في سوق العمل، وتقديم فرص تدريبية يسهل على المنظومات جذب أفضل المواهب وبقائهم مع الشركة، مما يعزز من تنافسيتها.
تقديم البرامج التدريبية يمكن الموظفين من القيام بمهامهم بكفاءة أكبر، ويقلل من معدل دوران الموظفين مما يرفع من إنتاجية المنظومة، ويقلل تكاليفها.
كيف يتم إنشاء خطة تدريبية للموظفين؟
لا يمكن أن تنجح خطة تدريب بدون دعم من مجلس الإدارة وصناع القرار. ويجب على مديري الأقسام أن يمتلكوا تصورًا شاملًا لأهداف التدريب والمهارات المستهدفة؛ ليتمكنوا من قياس مدى فعاليته.
أحد أكبر الأخطاء التي تقع فيها الشركات هو تصور أن تحقيق الأهداف التدريبية يقتصر على تحديد الإدارة للمهارات المطلوبة من الموظفين، دون وضع خطط وأهداف الموظفين الشخصية في عين الاعتبار. في حين أن وضع هذه الأهداف في عين الاعتبار يعزز حافز الموظفين للمشاركة.
بعد ضمان موافقة الإدارة ومشاركة الموظفين، يمكن البدء في تصميم الخطة التدريبية، ونقطة البداية هي تحديد المعايير المعرفة للنجاح التي ستحدد مدى نجاح التدريب وفعاليته في تحقيق الأهداف المتوقعة.
بعد ذلك يأتي تحليل الفجوة بين مستوى المهارات الحالي للموظفين والمستوى المطلوب لتحقيق الأهداف التي تم تحديدها في الخطوة السابقة باتباع الخطوات الآتية:
عندما يتعلق الأمر بالتدريب والتطوير المهني لا يوجد أسلوب واحد يناسب جميع المشاركين وجميع المهارات المستهدفة، بل يجب اعتبار الأسلوب الذي يتناسب مع كل منهما.
بداية وضع أهداف واضحة لتسهل متابعة أداء الموظفين في التدريب وقياس أثره الفعلي على أداء المنظومة.
للحفاظ على أثر التدريب الإيجابي لا بد من استخدام المعرفة والمهارات المكتسبة بشكل نشط، عن طريق أساليب مثل تنظيم اختبارات وجلسات مراجعة تساعد الموظفين على تذكر المعلومات.
الخلاصة:
ليس من الضروري أن يكون تنظيم وتطبيق عملية التدريب والتطوير المهني أمرًا معقدًا، فبالإضافة إلى اتباع الخطوات المذكورة يمكن الاستعانة بخبراء أو شركات متخصصة من خارج المنظومة، لوضع وتطبيق الاستراتيجيات والبرامج المناسبة.